زاوية واحدة ورؤي مختلفة لليل القاهرة
بين أحمد عبد الله وعاطف الطيب

كتابة : روان إدريس

فيلم ليل/ خارجي

كنت أشاهد فيلم ليل/ خارجي للمخرج أحمد عبدالله وتذكرت فيلم ” ليلة ساخنة” لمخرج الغلابة العبقري عاطف الطيب -رحمه الله-، التشابه أو لنقل التأثر واضح للغاية ف” ليل/خارجي” أخذ نفس قالب أحداث “ليلة ساخنة”، الفيلمان تدور أحداثهما في ليلة واحدة؛ فالأحداث يتم تقديمها في آخر نهار اليوم الأول ثم تتشابك وتتعقد مع منتصف الليل لينتهي الصراع مع نسمات الفجر ويتفرق الأبطال مع صباح اليوم التاني، وإذا توقفنا عند هذا   نجد أن هذا القالب تم استخدامه كثيراً وخاصة في السينما العالمية مثل سلسلة أفلام:

قبل شروق الشمس Before Sunrise ، و ليلة في المتحف   (Night at the Museum)

لكن التأثر يمتد ففي كلا الفيلمين ” ليل/خارجي” و”ليلة ساخنة” البطل سائق تاكسي من أبناء الطبقة المتوسطة والبطلة فتاة ليل، وحتى في ” ليل/خارجي” شخصية المخرج ابن الطبقة الأرستقراطية المثقف تبدو في أغلب الأحيان وكأنها دخيلة على الأحداث؛ فهوإنما يقوم بدور دليلنا لعالم أبطال الفيلم الحقيقيين سائق التاكسي وفتاة الليل الذين يعرفون جيداً ليل شوارع القاهرة الخطر.

المخرجان وسائقي التاكسي

أما عن نظرة كلا المخرجين لهذا العالم وسكانه فتختلف كلياً بين سائق الطيب الشهم الحر الجدع الذي يسعى لتوفير العلاج لأهله بطريقة شريفة والذي وضع نفسه بموضِع الخطر ليعيد لفتاة ليل أموالها المسروقة والذي يدفعك إلى تقديره واحترامه والتفاؤل بمستقبل بلد هذا الرجل من مُعسريها، وسائق عبد الله المنحط أخلاقياً دائم التحدث عن الفضيلة والأخلاق وهي أبعد ما تكون عن حياته اليومية، وهو ينحني لمن يفوقونه في المستوى المادي والاجتماعي ثم ينقلب عليهم إذا سنحت له الفرصة وقد جسده ببراعة الممثل شريف الدسوقي صاحب شخصية ” سبعبع” في مسلسل ب” 100 وش” ونال عن دور مصطفي في ليل/ خارجي جائزة أحسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعام 2018.

الرؤية لفتاة الليل

حدث ولا حرج عن دور فتاة الليل، الطيب يراها سيدة مغلوبة على أمرها تطمح للخروج من هذا المستنقع ولكنه لا يلبث إلا أن يعيد سحبها إليه المرة تلو الآخرى، نظرته متفهمة متعاطفة دون تبرير لخطأ أو محاولة لتجميل واقع مرير، ولبلبة أدت الدور ببراعة وأجادت توصيل رؤية المخرج، أما عبدالله فجعلها سيدة منحلة تحب هذا المسلك وتتقبل الاهانات المتكررة فيه كجزء من واقعها ومحيطها يعلم بمسلكها وهي لا تتوارى عن المجاهرة به بل أحياناً يصل الأمر للتفاخر!!

 

نظرة عامة لحال المجتمع

 وللطبقات الأعلى شأناً في المجتمع خاصة على الصعيدين المادي والاجتماعي نصيب من اللوم والتقريع في كلا الفيلمين، هو عند الطيب لوم خفي مبطن داخل الأحداث فهو يراهم مسئولون بفسادهم وانانيتهم المفرطة وباستغلالهم الكثيرين من فاسديهم لهذه الفئات سبب في انحرافهم وتوليد شعور الغضب عندهم ولو بدرجة ما، أما لوم عبدالله فهو جهري وأنهم السبب الأكبر في هذا المستنقع الذي نعيش فيه الآن، بالطبع اليأس هو السائد والاتجاه السودوي مسيطر على الأحداث، كأن الوضع الراهن للأبطال أصبح كابوس لا سبيل للخروج منه، فرؤية المخرج لحال العباد ومستقبل البلاد ينقلها على لسان حال المخرج دليلنا في الأحداث، رفيق سائق التاكسي وغريمه في السعي لنيلها، هو متخبط مكتئب أغلب الوقت شرقي الاسم غربي الهوي، ويظهر ذلك في لفظه لاسمه ب “مو” بدلاً من محمد، وهذه تفصيلة من العديد من التفصيلات التي أجاد الفيلم استخدامها وتوظيفها.

شخصية الدليل عند عبدالله

أما عن نظرتي ل” مو” فأراه من المستسلمين لتيار السوداوية والعدمية، وهو من مرهفي الاحساس أيضاً كطبيعة أغلب المبدعين أيما هو مجالهم وهو شديد التأثر بالظلم وتقييد الحريات، وهذا الدافع الأكبر لالتجائه للسوداوية والعدمية، خاصة مع كونه غير متدين أو ملتزم بالأطر القيمية للمجتمع المصري قبيل التغريب الحادث لطبقته المخملية تحديداً حالياً، مما جعله ناقم طوال الوقت على المجتمع غير متقبل لفكر محاسبته أو محاسبة غيره على أغلاطهم من قبل رجال القانون؛ فهو يدرج الكثير والكثير من أفعاله المخالفة لآداب المجتمع وقيمه تحت بند الحريات !!

ختاماً

الفاصل الزمني بين الفيلمين يتخطى العشرين عاماً بقليل وأطر الأحداث في الفيلمين متقاربة للغاية ولكن شتان، فالفارق شاسع بين الصورتين المقدمتين لجزء من ليل الشارع المصري في الفيلمين، والأمر لا يتوقف عند رؤية المخرج ولكن يمتد لحاله الفعلي، فعشرون عاماً فعلت بالمجتمع المصري الأفاعيل.

للمزيد من المقالات :